جمعهم الصالون الوطني الأول للطوابعية - هواية تصارع التكنولوجيا
يعتبر جمع الطوابع من الهوايات التي تسير في طريق الزوال، بالنظر إلى التطور التكنولوجي الذي جعل الرسائل اليوم لا تحتاج إلى ظرف بريدي، ولا إلى طابع، وإنما تصل مباشرة عبر الفضاء الإلكتروني إلى أصحابها، وفي وقت قياسي. ورغم كل هذه التطورات التكنولوجية الحاصلة، إلا أن هذا لم يحبط من عزيمة الهواة الذين رفعوا التحدي بالنظر إلى ما يمثّله لهم الطابع من رمزية، وهو ما رصدته «المساء» على ألسنة عدد منهم، على هامش مشاركتهم مؤخرا في الصالون الوطني الأول للطوابعية بالمتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر «ماما» بالجزائر، والذي تزامن مع الاحتفال بثورة نوفمبر المجيدة.
إدريس بوشيبة من تيسمسيلت: أتمنى أن لا يزول الطابع
قصة إدريس بوشيبة من ولاية تيسمسيلت مع الطوابع تبدو مختلفة نوعا ما، لكنها كانت -حسبه- بداية قصة حب عميق مع الطوابعية. يقول لـ»المساء» بأنه يذكر عندما قصد سنة 1989 العاصمة لمتابعة فعاليات الألعاب الإفريقية التي نظمتها الجزائر، حيث تابع العروض الفلكلورية والألعاب الإفريقية، وصادف ذلك اليوم إصدار البريد المركزي لطابع بريدي يخلد الحدث الرياضي الإفريقي، وتم توزيعه بالمناسبة. وعند وقوع الطابع في يدي، يضيف «لقي إعجابي وقررت وقتها الاهتمام بهواية جمع الطوابع، لكن ذات الطابع الرياضي منها، وكان من نتائجها الانضمام إلى فيدرالية الثقافات الأولمبية الدولية وتخصصت في جمع الطوابع التي تخلد الأحداث الأولمبية الرياضية».
شارك محدثنا في العديد من المعارض الدولية، على غرار معرض للطوابعية في سويسرا وآخر ببرشلونة وغيرهما، إلى جانب عدد من المعارض الوطنية. ويقول «الطوابع بالنسبة لي هو حب الاطلاع، والرغبة في التميز بهواية مختلفة. أتطلع من وراء جمع الطابع إلى التعريف بالرياضات التي شاركت فيها الجزائر، وفي بعض الأحيان الطوابع التي تخلّد تظاهرات رياضية عالمية» .
يتمنى إدريس من خلال تمسكه بهذه الهواية في ظل ما نعيشه من تكنولوجيا، أن لا يختفي الطابع ويظل عنوانا للتقارب والسلام ورمزا من رموز الهوية. مشيرا إلى أنه على مستوى ولاية تيسمسيلت، ليس هناك عدد كبير من هواة جمع الطوابع. وبالمناسبة، دعا الجهات المعنية إلى أن لا تكون المشاركة في المعرض لمجرد العرض، وإنما لابد أن تكون للطوابعية نفس آخر، كالخروج مثلا بثقافة تاريخية أو بيئية، حتى يكون للعرض هدف وليس العرض لمجرد العرض.
عبد الجليل بن علي من ورقلة: 70 بالمائة من طوابع الجزائر في جعبتي
رغم أن الهاوي عبد الجليل بن علي، من ولاية ورقلة، يعمل بمصلحة البريد، غير أن اهتمامه بجمع الطوابع البريدية بدأت معه مبكرا، عندما كان متمدرسا، حيث قال لـ»المساء»، على هامش مشاركته في معرض الطوابعية بمجموعة من الطوابع حول الثورة التحريرية، أنه يحب تكوين صداقات عن طريق المراسلة والتعارف، وبحكم أنها الوسيلة الوحيدة للتعارف وقتها، كان في كل مرة يتلقى فيها رسالة، يطلع على طابعها البريدي الذي كان كثيرا ما يثير اهتمامه وفضوله، ومن هنا يضيف «فكرت في الانتقال من هواية المراسلة إلى جمع الطوابع». مشيرا إلى أن هواية الجمع بالنسبة له عامة، حيث لم يحصرها في الطوابع فقط، وإنما أولى اهتماما بجمع الأظرف البريدية والبطاقات.
يملك عبد الجليل اليوم أكثر من 70 بالمائة من الطوابع التي أصدرتها الجزائر، ويقول بأن اهتمامه بالجمع بدأ كهواية، تحولت اليوم إلى رسالة لنشر هذه الهواية، مشيرا إلى أنّ الهاوي لا يمكن أن يعرف عدد الطوابع التي جمعها، وإنما لابد أن يحرص على تنظيمها وترتيبها وعرضها على الجمهور للتعريف بها.
وعن الصعوبات التي تواجهه لجمع الطوابع، يجيب بأنها قليلة وتنحصر في عملية التنقل، للمشاركة في تظاهرات حول الطوابعية. مردفا أن هذه الهواية تسير في طرق الزوال، لأن جيل اليوم لا يوليها الاهتمام المطلوب، بالنظر إلى التطور التكنولوجي الذي ساهم في تهميشها، بالتخلي عن المراسلة الورقية، رغم أنها موجودة على مستوى مكاتب البريد، غير أن من يمتهنها لا يمارسها عن حب، الأمر الذي ساهم في تراجعها. وبالمناسبة ـ يقول ـ «نطلب من وزارة البريد أن تولي أهمية للعاملين بمصلحة البريد المكلفين بعملية الجمع، للمساهمة في الحفاظ على الهواية وإعطاء الطابع المكانة التي يستحقها».
يختم الهاوي عبد الجليل بالقول «لم يتسلل الملل مطلقا إلى قلبي من هذه الهواية، بل على العكس، أحن دائما إلى هوايتي، وأهرع للمشاركة في مختلف المعارض التي تصل إلى مسامعي، فضلا عن المبادرة الشخصية التي أقوم بها، تزامنا وبعض الأحداث التاريخية، حيث أقوم بتنظيم بعض المعارض للتعريف بمجموعتي.
عمي علاوة صغيري من ولاية قسنطينة ... نناشد بتأسيس فيدرالية وطنية
من جهته، شارك عمي علاوة صغيري (مهندس معماري)، من ولاية قسنطينة في المعرض الأوّل للطوابعية، بمجموعة من الطوابع حملت عنوان «صناع التاريخ والنضال الجزائري». وحول سر اهتمامه بالطابع البريدي، قال في دردشته مع «المساء»، بأنه بدأ بجمع الطوابع في سن مبكرة، وتحديدا في سنوات السبعينات، حيث كان وقتها يدرس في السنة الثانية متوسط، وقال «لعل علاقتي الأولى مع الطوابع كانت من باب الفضول، حيث كان كثيرا ما يثير فضولي الطابع البريدي بالنظر إلى ما يحمله من دلالات، بعضها سياحي والآخر تاريخي، لكن شيئا فشيئا تعلقت بها، بعد أن اتضح لي بأنها ساهمت في تثقيفي من خلال بحثي الدائم عن كل ما تحمله من صور أو عبارات أو شعارات... وشيئا فشيئا، تعلقت بها وأصبح لدي اهتمام كبير بكل ما يتعلّق بالطوابع. وأضاف «لا أخفي عنكم، فأنا أشعر بأنني أسافر عبر الزمن بين الولايات والحيوانات والدول وأنا في مكاني». ويستطرد بالقول؛ بأن الطابع بالنسبة له موسوعة تثقيفية، يمكنه اليوم أن يسرد تاريخ الجزائر كاملا من خلال الطوابع البريدية التي يحوزها، وهو أمر يفتخر به.
وحول عدد الطوابع التي جمعها منذ شروعه في ممارسة هذه الهواية، أفاد بالقول بأنه لا يهمه مطلقا حساب عدد الطوابع التي جمعها، لأن العبرة بالنسبة له لم تكن مطلقا في العدد وإنما في الغاية من الجمع، المتمثلة خاصة في التمتع بالراحة النفسية التي يعيشها عند تصفح طوابعه البريدية، مشيرا إلى أنه اهتم بجمع الطابعين الجزائري والفرنسي، بعد أن تبيّن له من خلال البحوث التي قام بها أنّ الجزائر خلال الفترة الممتدة بين عامي 1958 و1962 لم تكن تملك أي طابع بريدي.
وبخصوص ما إذا كان يذكر الطوابع الأولى التي جمعها، قال «الطوابع الأولى التي جمعتها كانت حول الثورة الجزائرية، وهي مجموعة أعتز وأفتخر بها». ويضيف «أنصح الأولياء أن يغرسوا في أبنائهم هواية الجمع، وألا ينحصر الأمر في جمع الطوابع فقط، بل في عدة مجالات أخرى، وإن كنت أعتقد أنّ ليس هناك أفضل من هواية جمع الطوابع، لأنها تتطلب البحث والتصنيف والترتيب والاطلاع على فحوى الطابع، مشيرا إلى أنه على مستوى ولاية قسنطينة يوجد أكثر من 100 هاو، إلى جانب جمعيات تنشط في مجال الحفاظ على هذه الهواية التثقيفية.
«نتطلع اليوم -يقول عمي علاوة- كهواة جمع الطوابع إلى التأسيس لمنظمة أو فيدرالية لهواة الجمع، حتى يتم الترسيم لهذه الهواية، وتتحوّل إلى قوة اقتراح، حتى تكون أيضا مرجعا لحل بعض الانشغالات الخاصة بهذه الهواية، ومنها ذكر صعوبة الحصول على بعض الطوابع وارتفاع تكلفتها، مع المطالبة بترسيخ بعض الشخصيات التي لعبت دورا بارزا خلال الثورات الشعبية. مشيرا إلى أن جمع الطوابع عالم واسع والتخصص فيه مطلوب، ويختم بالقول «الطابع البريدي «أحسن سفير للبلاد».
عبد القادر شقرون من تلمسان: الطابع البريدي رمز للهوية ونقله للجيل الجيد مسؤوليتنا
اختار هاوي الطوابع من ولاية تلمسان، عبد القادر شقرون، أن يثري مجموعته التي شارك بها، من الطوابع التي أصدرتها الجزائر منذ الاستقلال إلى غاية اليوم. وحول سر اهتمامه بالطابع، كشف في دردشته مع «المساء»، عن أن سر اهتمامه بها بدأ في التسع سنوات، حيث كان متمدرسا بالطور الابتدائي، وتحديدا سنة 1983، حيث كان يفضّل بدل ممارسة الرياضة مع زملائه، هواية جمع الطوابع التي لم تكن محصورة في الطوابع البريدية فحسب، وإنما كان يجمع أشياء أخرى مثل البطاقات البريدية وقصاصات الجرائد المرتبطة ببعض الأحداث المختلفة.
وردا عن سؤال حول الإضافة التي قدمتها له هذه الهواية وتحديدا جمع الطوابع، أفاد بأن عملية جمع الطوابع سمحت له بالاطلاع على تاريخ الجزائر، عبر مختلف الحقب التي مرت بها، سواء من حيث الشخصيات أو الثورات أو المناطق التاريخية، فالطابع البريدي يقول «ليس مجرد قصاصة ورقية وإنما رمز تاريخي اعتمد عليه للتعريف بما تزخر به الجزائر من موروث تاريخي وسياحي وطبيعي».
وعن الصعوبات التي تواجهه في الجمع، قال شقرون بأن جيل هواة جمع الطوابع بدأ يكبر في السن، إذ أن أغلبيتهم من فئة المتقاعدين، «لكن نحاول أن ننقل هذه الهواية إلى الجيل الجديد وهو أكبر الإشكالات التي نواجهها، إلى جانب بعض الطوابع النادرة التي تباع بأسعار باهظة في ظل غياب سلم يضبط ثمنها، الأمر الذي يصعب علينا عملية الجمع والحفاظ على هذا الموروث».
وحول عدد هواة جمع الطوابع بالولاية، أكد محدثنا أنّه على مستوى ولاية تلمسان هناك أكثر من 30 هاويا للطوابع، غير أنّ الحفاظ على هذه الهواية يتطلب التأسيس لفيدرالية، إذ يقول «سبق لنا وأن طرحنا بمناسبة المشاركة سنة 1994 في أول صالون للطوابع في الذكرى الأربعين لاندلاع الثورة، إلى إصدار مسودة لجمعية وطنية تتكفل بهواة جمع الطوابع، غير أنه لم يكتب لها النجاح، واليوم أجدد مطلب تأسيس جمعية وطنية، خاصة أن قانون الجمعيات يحوي اليوم على تسهيلات تساعد على إنشاء جمعية تمثلنا في المحافل الوطنية والدولية التي نعرض فيها الطوابع البريدية الخاصة بالثورة أو البيئة».
يؤكد شقرون على أن الجيل الجديد لا يولي اهتماما بالطوابع، لكن المسؤولية لا يتحمّلها بمفرده، وقال «نحن أيضا كهواة، نتحمّل المسؤولية نتيجة التقصير في المبادرات الشخصية للقيام بمعارض على المستوى المحلي»، مشيرا إلى أن الطوابع عبارة عن ميراث ثقافي لابد من التعريف والتفريق بن التاجر في عالم الطبع، وهو عالم بحاجة إلى ضبط، وإلى هاو يهدف إلى التعريف والدفاع على هذا الموروث.
وحول أحب طابع إلى قلبه، قال شقرون بأنه من الصعب عليه التفريق بين كل الطوابع التي جمعها، غير أن أحب طابع إلى قلبه، يظل أول طابع جزائري تم إصداره عند الاحتفال بالذكرى الثامنة للاستقلال، ويعلق «لا أستطيع التمييز بين الطوابع الجزائرية لأنني وطني وأعتبر الطوابع رمزا من رموز هويتنا».
عبد الرزاق غرابسي من عين مليلة: الطوابع موسوعة تثقيفية
البداية كانت مع عمي عبد الرزاق غرابسي (متقاعد جامع) للطوابع من الجيل القديم، يحدثنا عن قصته مع الطوابع فيقول «انطلاقتي الأولى كانت بعد الاستقلال، حيث كان الأساتذة يهدون التلاميذ النجباء الطوابع، وكنت واحدا من المستفيدين، بحكم أنني كنت واحدا منهم. ولشدة ولعي بهذه الهدية، تطورت علاقتي بالطوابع، وسرعان ما تحولت إلى جامع لها. ومنذ تلك اللحظة، بدأت رحلتي في جمع الطوابع كهواية»، مردفا أن عملية الجمع بعد الاستقلال لم تكن سهلة، حيث كان يترقب دائما الرسائل ويزيل عنها الطوابع بطريقة تقنية خاصة ليجمعها في ألبوم.
الغاية من هواية جمع الطوابع، حسب عمي عبد الرزاق، كانت تثقيفية بالدرجة الأولى، حيث أكد في معرض حديثه أنه كثيرا ما كان يتعلم منها أسماء العواصم والبلدان، ويكتشف المناطق السياحية ويطلع على مختلف الأحداث العالمية والتاريخية، ولا يخطئ عندما يقول بأن «الطوابع موسوعة تثقيفية».
دفع جمع عمي عبد الرزاق لعدد كبير من الطوابع إلى التخصص فيها، حيث قرر أن يحصر اهتمامه في مجال الطابع الجزائري منذ سنة 1924 إلى يومنا هذا، ويقول «لدي اهتمام آخر بالطوابع البريدية التي تصدر من بعض دول العالم، وتشير إلى الجزائر، حيث أحرص على جلبها مهما كانت التكلفة أو الظروف».
وحول ما إذا كان لم يفكر مطلقا في ترك هواية جمع الطوابع، أكد محدثنا أن التخلي عن هذه الهواية أصبح أمرا مستحيلا، وشبههم بأولاده الذين يحرص يوميا على العناية بهم وعدم التفريط في أي واحد منهم. مشيرا إلى أن الهواية بدأت في أول الأمر بجمع هذا الرمز البريدي، وبعد أن أصبح لديه رصيد كبير، يعتقد اليوم أنه من الضروري إطلاع الغير على هذا الموروث، على حد تعبيره، قائلا «أشارك في كلّ المعارض التي تجري دعوتي إليها لعرض ما أحوز عليه من طوابع، وأستغل الفرصة للكشف عن طريقة الجمع التي تخضع لتقنية خاصة».
أمنيته اليوم بعد سنوات من ممارسته لهذه الهواية، أن يعاد الاعتبار لها، خاصة بعدما قتلتها التكنولوجيا، وأن لا يحصر جمع الطوابع بالمعارض، وإنما لابد من نقلها إلى المدارس لتحفيز أطفال اليوم على ممارسة مثل هذه الهوايات التثقيفية، مشيرا إلى أن الاهتمام اليوم بالطوابع أصبح محصورا في كبار السن وهو أمر مؤسف.
بتاريخ : 18-10-2017
الكاتب : رشيدة بلال
المصدر : El Massa (el-massa.com)