هواة يجمعون التراث ويرفضون التعدي على الآثار
“أمين”، “إدريس”، “هشام”، “نصر الدين”، “طاهر” عينات لمئات “هواة جمع كل ماهو قديم”، والذين قضوا أكثر من ربع قرن من حياتهم أوفياء لهوياتهم، “جمع الطوابع البريدية”، “التحف والنقود، العملات الجزائرية والأجنبية”، “النحاس”، والتي تحاكي تاريخا عمره سنوات، منهم من تعلق بهوايته بالصدفة ومنهم من ورثها عن أحد أفراد عائلته فكرسوا لها أغلب أوقات حياتهم لها.
هشام ..5 آلاف تحفة قديمة وهذا هو مصدرها
أول محطاتنا كانت مع “هشام” الذي يمارس هوايته التي تحولت فيما بعد إلى حرفة يكسب منها قوته، حيث ذكر خلال حديثه أنه عشق جمع النحاس القديم والآلات الموسيقية وكذا أجهزة الراديو القديمة وعمره لم يتجاوز الـ8 سنوات، وهي نفس الهواية التي كان يمارسها جده، وبدأ في جمعها إلى أن أصبح يملك اليوم حوالي 5 آلاف قطعة تتكون من أوانٍ وأدوات نحاسية عمرها يفوق 60 سنة، بالإضافة إلى ساعات قديمة وبعض آلات الراديو تعود إلى سنوات الأربعينيات مع سلسلة من الأواني الفخارية.
ويجوب هشام ابن 35 سنة أغلب أسواق الوطن المعروفة بعرض النحاس القديم، وينتقي أكثرها أهمية بحكم الخبرة التي اكتسبها على مدار سنوات والتي تبلغ أكثر من 15سنة.
وهنا يشير هشام إلى أنه يتفادى شراء التحف المسروقة ويرفض أي قطعة يكتشف أنها آثار قديمة ملك للدولة احتراما للقانون.
زبائنه يتنوعون بين سياسيين رفض الكشف عن وظائفهم وأجانب وبعض محبي النحاس للزينة، بالإضافة إلى الفنانين الذين يستنجدون به كل ما يشرعون في تصوير أعمال تاريخية.
حوفة إدريس:
عملات نادرة ومنزل يجمع تراثا عمره مئات السنين
آلاف القطع النقدية، طوابع بالملايين، مفاتيح عمرها يفوق القرن ونصف وتحف تعود لعام م1800، هو ما يملكه “حوفة إدريس” الذي عشق هذه الهواية منذ الصغر، فبعد أن كانت البداية مع العملات النقدية والطوابع والبطاقات البريدية والتحف القديمة، كون إدريس لديه مجموعة خاصة به تختلف عن باقي الهواة، ثم في مرحلة أخرى انتقل إلى جمع كل ما هو قديم.
ونحن ندخل بيته الواقع بمناخ فرنسا بباب الوادي صدمنا بالأشياء التي جمعها على مدار 20سنة والموزعة على جميع أرجاء المنزل الذي هو عبارة عن غرفة واحدة لتجند نفسك وأنت تنظر في زواياه وكأنك داخل متحف يحكي حقبا تاريخية مختلفة ابتداء من العملات الجزائرية والمقسمة إلى مجموعتين: الأولى المتعلقة بالحقبة الاستعمارية والثانية بعد الاستقلال، ابتداء من 1سنتيم وهنا يشير إدريس الذي استقبلنا في بيته رفقة زوجته أنه يملك مجموعة عملات نادرة من بينها عملة بقيمة 50سنتيما “سوردي” وهي نادرة جدا، وأخرى من فئة 1000 فرنك يعود تاريخها إلى 1924م.
ورغم تعلقه الشديد بجمع العملات الجزائرية كان شغوفا أيضا بالعملات الأجنبية واليوم يملك مجموعة كبيرة لمختلف البلدان العربية والأجنبية تحمل قيمة كبيرة.
وما شد انتباهنا هو “البيانو” المركون في أحد زوايا المنزل والذي أنجز عام م1880 في باريس، بالإضافة إلى مجموعة من آلات الراديو يعود تاريخ صنعها إلى سنوات الأربعينيات.
وتضم مجموعة إدريس مفاتيح قديمة مختلفة الأشكال والأحجام والتي تقدر بالعشرات يعود تاريخ صنع أقدمها إلى 1800م، بالإضافة إلى مجموعة ضخمة من الطوابع البريدية الأجنبية والجزائرية.
تعلق إدريس الشديد بهذه الهواية جعله يحولها إلى حرفة يكسب منها قوت عائلته المتكونة من ثلاثة أولاد والزوجة التي دخلت هي أيضا المجال الأمر الذي ساعده كثيرا فهي تحرص على سلامة ما يملك والعناية بها.
اليوم إدريس يجد نفسه مجبرا على أن يعرض ما يملك في أحد أسواق بومعطي بالحراش بعدما كان يملك طاولة على مستوى ساحة بور سعيد خلال الفترة الممتدة من 2004 إلى غاية2015، ليتم إيقافه فيما بعد دون تقديم بديل، هذا الأمر انعكس سلبا على نشاطه ما دفعه لمناشدة السلطات المحلية الالتفات له ومنحه محلا يستطيع من خلاله ممارسة هذه الحرفة التي يحاول من خلالها الترويج للسياحة الجزائرية وفي هذا يقول: العملات، الطوابع البريدية والبطاقات وكذا الصور هي بطاقة تعريف للجزائر سواء من خلال الصور التي تحملها أو الأحداث التي تؤرخ لها”، مضيفا: همي ليس فقط جمع الأشياء النادرة والقديمة وإنما الحفاظ على التراث الجزائري والترويج له مع احترام القانون.
وعن الزبائن الذين يقصدونه وهو الذي أصبح يملك سمعة كبيرة على المستوى الوطني نظرا لحسن تعامله والأشياء التي يملكها وحتى أسعاره التنافسية قال: زبائني هم هواة وحرفيون تعرفت عليهم من خلال عملية البيع والشراء والتبادل وحتى السياح بالإضافة إلى الطلبة الذين يقصدونني من أجل إنجاز بحوثهم.
وما يحز في نفس إدريس أكثر هو التلف الذي طال بعض مقتنياته التي يضعها في المنزل والذي لم يعد يستوعبها بسبب صغر المساحة، ورغم مطالبه المتكررة للحصول على سكن اجتماعي مناسب، إلا أنه لم ينل مراده ومرت آخر عملية ترحيل إلى بئر توتة دون أن يكون ضمن القائمة.
محمد بالعارف:
17سنة في جمع الطوابع البريدية ودراسات في المجال
بالعارف محمد أمين البالغ من العمر 37سنة، والذي تعرفنا عليه بالصدفة واحد من هواة جمع الطوابع البريدية، المعروفين على مستوى الوطن، لديه ما يقارب 17سنة في جمع الطوابع والحكاية بدأت كما يقول عندما وقعت عيناه بالصدفة على طابع بريدي يحمل رسما تشكيليا شد انتباهه فكان دافعا للبحث والاحتكاك بالهواة.
ويذكر بالعارف الذي يعد فنانا تشكيليا أيضا، أنه كان يجهل قوانين هذه الهواية التي تعرف بـ”هواية الملوك”، حيث يجب على من يدخل عالم الطوابع البريدية أن يجمع في البداية كل طوابع بلده، ثم في المرحلة الثانية يختار موضوعا واحدا لدراسته وبهذا الخصوص يقول: اخترت موضوع الحمام الزاجل لإجراء دراسة عليه”.
وأشار بلعارف خلال حديثه أنه من الخطأ أن نتحدث عن كمية الطوابع فالأهم حسبه هو تاريخ هذه الطوابع وأهميتها، مشيرا إلى شيء في غاية الأهمية وهو أن الطوابع تذهب قيمتها إذا فقدت أحد الأسنان التي تحيط بها.
وعن المصدر الرئيسي للطوابع ذكر محدثنا: البريد المركزي بالإضافة إلى التبادل مع هواة جمع الطوابع البريدية أو شرائها.
وبعيدا عن عالم الطوابع البريدية التي تعتبر الهواية المفضلة للملوك لا يخفي بلعارف شغفه أيضا بجمع التحف القديمة من نحاس وآلات موسيقية وغيرها حيث تشكل جزءا كبيرا من ديكور منزله.
سعيد ..33 سنة في جمع النحاس..وهذا ما يريده الأجانب
أما “س.ع” الذي تجاوز العقد الرابع من عمره، احتفظ بهواياته في جمع النحاس القديم لأكثر من 33سنة ولكن هذا لم يمنعه من تحويلها إلى مهنة لإعالة عائته، مع الاحتفاظ بكل ما هو ثمين في بيته، ويملك “س.ع” مجموعة هائلة من الأفران القديمة التي يعود تاريخ إنتاجها لعشرات السنين، بالإضافة إلى أوانٍ نحاسية عمرها مئات السنين وتحف تسحر الناظر.
ورغم الخبرة التي اكتسبها يقول “س.ع” “إلا أنني أحيانا أخطىء في تقدير الأشياء، اليوم أملك حوالي 1500 قطعة متنوعة مصادرها تختلف ولكن نسبة 99 منها أحصل عليها عن طريق الشراء من الناس الذين يعرفونني. يضيف: “أحيانا تعرض عليّ تحف أشك في أمرها فأرفض أخذها رغم أنها تدر عليّ مبالغ كبيرة مخافة أن تكون من الآثار الجزائرية وهو ما سيعرضني للسجن لهذا أحترم القانون”.
أما عن الزبائن الذين يقصدونه فقال إنهم يتنوعون لكن الأجانب يحتلون المرتبة الأولى، ويطلبون أشياء خاصة جدا مضيفا: أتلقى اتصالات من المغرب وتونس وحتى فرنسا بخصوص بعض ما أملك لكن أفضل أن يكون نشاطي محليا.
السعيد جمع 2000 قطعة عبر 15 سنة
” 15 سنة في جمع الأشياء القديمة والبداية كانت مع والدي”، هذا ما أوضحه الشاب دقموش سعيد، وقال: عندي15سنة في جمع كل ما هو ثمين وقديم مجوهرات، صور، مجلات وصحف، تحف، أواني فخارية ونحاسية، آلات تصوير، ساعات، نقود وطوابع، مضيفا: كنت أبلغ من العمر 14سنة عندما بدأت في ممارسة هذه الهواية واليوم لديّ حوالي 2000 قطعة.. يتوقف قليلا ثم يواصل “ضاعت مني أشياء لديها قيمة كبيرة لجهل مني لكن اليوم الأمر يختلف”.
ويتخذ محدثنا من أسواق الغرب الجزائري مصدرا للحصول على ما يريده وهنا يوضح: “أتنقل في كل مرة إلى مختلف الأسواق الجزائرية في مختلف الولايات ولكنني أركز على الغرب الجزائري لأنني أجد ضالتي هناك، وكثيرا ما تعرض علينا أشياء مسروقة ولكن أرفض هذا الأمر خاصة إذا تعلق بالآثار الجزائرية”.
ويختلف زبائن السعيد من “مثقفين، أناس عاديين، فنانين وأجانب” وحتى الهواة وهنا يتوقف ليستحضر حادثة وقعت له: كانت عندي صورة قديمة لأحد المجاهدين نسيت اسمه، وجاءتني امرأة طاعنة في السن ادعت أن الصورة لوالدها وأنها ستتوجه لمركز الشرطة من أجل إيداع شكوى وبدأت في الصراخ فصدمت من الأمر ولا أخفي عليكم أنني خفت كثيرا فمنحتها الصورة لأكتشف بعدها أنها تحايلت عليّ.
نصر الدين..19سنة في جمع العملات الجزائرية وهكذا كانت البداية
“نصر الدين” ابن مدينة قالمة هو الآخر علاقته بجمع العملات الجزائرية تمتد لأكثر من 19سنة والبداية كانت عندما كان يدرس في الابتدائي، يقول: كنت أقصد إحدى المكتبات للأدوات المدرسية كانت ملكا لأحد جيراننا وشدت انتباهي مجموعة من العملات التي كانت للعرض وكنت دائم التردد عليها، فبدأت بجمع العملات الجزائرية وأجري أبحاثا إلى أن استطعت تكوين مجموعة خاصة بي تعود للفترة الاستعمارية والآن أملك المئات منها وعندي عملة نادرة جدا يعود تاريخها إلى مابين استقلال الجزائر وإطلاق النار وهي من فئة 100فرنك جزائري جديد.
بتاريخ : 14-04-2018
الكاتب : حنان حملاوي
المصدر : El Hiwar (elhiwar.dz)