غدا الدخول المدرسي
رائحة الصيف تتلاشى شيئاً فشيئاً و رائحة المطر تستفز الحواس، غدا السبت ستكون العودة إلى المدرسة، في أمسية الجمعة، كنا نُساق إلى حمام المنزل الذي نعتبره غرفة تعذيب الأطفال، ظلمته لا يُنيرُها سوى مصباح خافت، الماء مسجون في سطلٍ حديدي بارد، فروة رأسنا تُفرَك بقطعة الصابون الحجري الذي ما زال ألمه إلى يومنا هذا، جلدنا يُدَلك بالكاسة الفظيعة التي تترك أخاديد حمراء على أجسادنا النحيفة، الماء الساخن يُفاقم معاناتنا، نَخرُج مُحَنَطين بمنشفة خشنة ، نترنح كملاكمٍ خسر نزاله فوق الحلبة، نرتدي مناماتِنا و ننام باكرا رغم أن عيوننا تأبى ذلك ...
في الصباح، توقظنا أمي باكرا، نغسل أعيننا المشبعة بالنعاس و نتوجه إلى المطبخ أين ينتظرنا كوب الحليب اللعين، أحاول ترشفه بسرعة وفي غفلةٍ من عيون أمي أسكب نصفه في حوض المطبخ، أدهن قطعة خبزٍ محترق بزبدةٍ ذائبة ثم أذهب لارتداء ملابسي الجديدة، حرارة المكواة ماتزال تسكن بين طياتها، سروالي المخملي، قميصي الذي يخنق عنقي بأزرار ياقته، مئزري الأزرق الذي عُلقت عليه بطاقة ورقية تحمل إسمي و عنواني و كأنها نياشين عسكري ، رذاذ ماء الكولونيا يُمطر على رؤوسنا، بعد كل هذه المراحل تأتي أصعب مرحلة ، المشط الرهيب ذو الأسنان أو بالأحرى ذو المخالب الحادة، الذي يُسَوِي نصف خصلات الشعر و ينتف النصف الأخر،بعدها أَنتعِل حذاء الجلد الجديد الذي سيعض كعبي مدة أسبوع ، أتوجه مع إخوتي إلى المدرسة، في فنائها ضجيج كبير ،يتعالى فيه بكاء التلاميذ الجدد، بعض الصبيان مازالت شقاوتهم تُأرق الحارس العجوز، المعلمون ينشغلون في حديثهم الذي لا ينتهِ، يُدَق الجرس و نَقِف كالمساجين في صفوفٍ طويلة،لقد سُلِبت حريتنا، احساسي يضطرب بين الحزن و فرحة ملاقاة الأصحاب، نُنشد النشيد عند سارية العلم ، و ندخل إلى أقسامنا، يتم تعيين أماكننا على الطاولات الخشبية ، قائمة الأدوات تُكتب على السبورة الخضراء فيتناثر غبار الطباشير على عيوننا، دَوَّنَا على ورقة بيضاء : سيالة زرقاء و خضراء ( الحمراء ممنوعة لأنها بلون سيد القسم) ،غلاف بنفسجي،غلاف أصفر ،كراس ١٢٠ صفحة(سيبقى نصفه بياضاً آخر السنة٠٠٠).
يُطلب منا كما تُقِرُهُ الأعراف أن نكتب كيف قضينا عطلة الصيف، يُفاقم هذا الطلب حنيني إلى مساءات العطلة و يُفاقم أيضاً موهبة الكذب التي نملكها، أجمل اللحظات كنا نقضيها في وقت الإستراحة، كنا نتقاسم لمجتنا البسيطة ، نروي مغامراتنا الكاذبة و نُقلد مشية المدير ، وفي مركز الفناء كانت تُرَدَد بسذاجة طفولية عبارة إفتحي يا وردة ...إغلقي يا وردة !
فات الزمن بسرعة و ها أنا اليوم بدوري سأُدخِل إبني إلى الحمام و فيه قطعة صابون و منشفة لكن... أكثر رفقاً و نعومة .
معالم الكاتالوج
:Michel LB 792
Stamp Number LB 404
Yvert et Tellier LB 226
Stanley Gibbons LB 764
تاريخ الإصدار: 1 أكتوبر 1962
لبنان
بتاريخ : 18-09-2023
الكاتب : كريم بوكرزازة