الرسم على الفخّار في منطقة بيدر عنوان للأصالة والإبداع
شـكّل موضوع 'الرسم على الفخار في منطقة بيدر إرث ثقافي وامتداد حضـاري'، محور الملتقى الوطني الذي احتضن فعاليته، مؤخرا، قسم اللغة والأدب العربي بجامعة تلمسان؛ بهدف التعريف بأبعاد الرموز المستعملة في تزيين مختلف المنحوتات، والتي يمكن أن تكون مادة، تساهم في إنعاش البعد السياحي للمنطقة.
عرّف منظمو الملتقى الوطني الذي بادر به مخبر تعريب المصطلح في العلوم الإنسانية والاجتماعية التابع لكلية الآداب واللغات بجامعة تلمسان بالاشتراك مع الجمعية الثقافية 'فخار بيدر'، بصناعة الفخار في منطقة بيدر، وكذا نشاطات الجمعية الثقافية 'فخار بيدر' لصناعة الفخار، إلى جانب التعرف على أبعاد توظيف الرسومات على الأواني الفخارية، فضلا عن بعث ثقافة السياحة عن طريق التعريف بالصناعة التقليدية في هذه المنطقة الساحلية، التي تقع على الساحل الغربي للجزائر.
وذكرت الدكتورة فاطمة بور مديرة مخبر تعريب المصطلح في العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة أبي بكر بلقايد تلمسان، أن الملتقى يندرج في سياق الجهود العلمية التي يبذلها المخبر بفرقه البحثية ولجنته العلمية والتنظيمية؛ استكمالا للملتقيات الوطنية السابقة؛ من أجل تعميق الوعي بضرورة الانفتاح على المجتمع المدني، والاهتمام بالتراث المادي واللامادي للشعب الجزائري، والذي يُعد إرثا ثقافيا، وامتدادا حضاريا للشعوب بصفة عامة، وللشعب الجزائري بصفة خاصة.
'فخار بيدر'... بعد ثقافي واجتماعي أصيل
وقد جاءت فكرة تنظيم الملتقى، حسب القائمين عليه، انطلاقا من إيمانهم وحرصهم على ضرورة انفتاح الجامعة على مثل هذه الفضاءات التي تساهم في تعريف الطلبة من داخل الوطن وخارجه، بهذا التراث الذي يشكل هوية المنطقة، بالإضافة إلى تشجيع السياحة الداخلية؛ كون منطقة مسيردة تزخر بمناظر وأماكن سياحية جميلة وخلابة.
وقد ارتأى المخبر القيام بهذا الملتقى بالاشتراك مع الجمعية الثقافية 'فخار بيدر' بمنطقة بيدر بمسيردة الفواقة بدائرة مرسى بن مهيدي بولاية تلمسان؛ من أجل التعريف بصناعة الفخار في هذه المنطقة التي تعود إلى عصور قديمة جدا. ولاتزال نساء هذه المنطقة إلى حد الآن، يحافظن على هذا التراث الذي ورثنه على الجدات؛ لكون هذه الحرفة تقتصر على النساء دون الرجال في هذه المنطقة السياحية والحدودية؛ إذ ركز المتدخلون في الملتقى على الرسومات التي تُستعمل في نقش هذه الأواني الفخارية، وربطها بإيحاءاتها وامتدادها الاجتماعي والنفسي، إلى جانب العصرنة التي تشهدها هذه الحرفة بفضل انفتاح هذه الجمعية على فضاءات وطنية ودولية تهتم بهذا التراث، وذلك عن طريق المشاركة في فعاليات وصالونات للصناعة التقليدية؛ حيث حصدن جوائز وأوسمة معتبرة في هذا المجال.
وشهد الملتقى الوطني، أيضا، تنظيم أربع ورشات، أشرف عليها كل من رئيس جمعية فخار بيدر الدكتور بومدين بوريش، والحرفية فوزية قلقول، وهي عـضو ناشط بالجمعية الثقافية 'فخار بيدر'، والسيدة موس حبيبـة عـضو ناشط بجمعية فخار بيدر؛ حيث اهتمت الورشة الأولى بالمواد الأولية التي تُستعمل في صناعة الفخار في منطقة بيدر، والتي تتوفر عليها البيئة المحيطة بقرية بيدر.
أما الورشة الثانية فقد اهتمت بعرض أرشيف للصور الفوتوغرافية، التي تبين تطور هذه الحرفة عند نساء المنطقة، في حين اهتمت الورشة الثالثة بعرض جداريات تبرز رمزية النقوش على الأواني الفخارية لمنطقة بيدر. أما الورشة الرابعة والأخيرة فقد قام المشرفون عليها بعرض نماذج من الأواني الفخارية التي تتوزع على 03 فئات؛ أولها الأواني المزخرفة بمادة 'تامغرة '. والفئة الثانية الأواني المزخرفة بمادة 'الضرو'، أما الفئة الثالثة فالأواني التي استُحدثت بفعل التثاقف بين الصناعات الوطنية والدولية في مجال صناعة الفخار.
جودة عالية في المواد المستعمَلة
أكدت الحرفية فوزية قلقول خلال هذا الملتقى الوطني، أن صناعة الفخار بهذه القرية المعروفة بجودة طينها، ترتكز على هذه المادة الأولية التي يتم خلطها بالرمل والماء بمقاييس مضبوطة، ودلكها بالأرجل لإخراج الهواء من العجينة، وتشكيلها بالأيدي على لوحة خشبية، وحجر مستو باستعمال قطعة من الجلد لترطيبها، بدون إدخال الآلة في عملية تشكيل التحف الفنية والأواني المنزلية، مضيفة في ذات السياق، أن الأواني والتحف المصنوعة يتم طهيها في الفرن التقليدي على الحطب الذي تصل درجة حرارته إلى 450 درجة مئوية. وتستغرق مدة الطهي 07 ساعات في فصل الشتاء، و4 ساعات خلال فصل الصيف.
وتُستعمل في عملية التزيين عشبة 'الضرو' التي يتم جلبها من الغابة المجاورة لقرية 'بيدر'، وتجفيفها، ثم دقها وخلطها بالماء، وتصفية محلولها، واستعماله كملون طبيعي في رسم الأشكال على التحف المصنوعة من الطين بعد خروجها من الفرن باستعمال 'الرقام '، الذي هو عبارة عن آلة دقيقة للتزيين، مصنوعة من الطين وشعر الماعـز.
وقد تُوّجت أشغال هذا اليوم من الملتقى الوطني، بمجموعة من التوصيات من الخبراء، التي رُفعت إلى الجهات الوصية. وتمحورت حول تثمين فخار بيدر، والحفاظ على هذا الموروث الثقافي، الذي يندرج في إطار الصناعات الحرفية التقليدية، والتي تُعد شكلا من أشكال التعابير الثقافية التقليدية والشعبية المادية؛ باعتبار الصناعات التقليدية من أهم الصناعات والفنون التي تعبّر عن هوية المجتمع، وبها يقاس مدى تقدّمه وازدهاره. كما تمثل نبض حياته، وصناعة الفخار واحدة منها؛ فهي لم تقتصر على حضارة معيّنة دون غيرها؛ فمادة الطين المنتشرة في معظم ربوع المعمورة، سهّلت للإنسان منذ القدم، استغلالها، والعمل عليها، وتطوير صناعة الفخار، لترتقي إلى موروث ثقافي للشعوب والحضارات، تتفرّد كل حضارة بطابع خاص بها، من خلال طرق الصناعة والزخارف المطبقة.
من يومية إخبارية وطنية المساء ل 07 ديسمبر 2023
بتاريخ : 10-11-2024
المصدر : El Massa (el-massa.com)