مغلف اليوم الأول

مغلف اليوم الأول

المكتبة > الطوابع البريدية > 1968 > رقم 469


بعض القراءة


إذا لم يكن من الضروري التوسع في حوافز هجرة الجزائريين إلى أوروبا، فإنه من المجدي التذكير بأن هذه الدوافع السياسية مرتبطة بأسباب تاريخية واقتصادية وبشرية. لقد قررت فرنسا أول ما بسطت نفوذها السياسي والعسكري على الجزائر أن تجعل منها مستعمرة ترسل إليها فائض سكانها، وهكذا ففي سنة 1848 أوفدت إليها الأشخاص الذين قررت إبعادهم، وفي سنة 1871 كان دور أهالي الألزاس واللورين، وفي 1905 بعثت بسكان الجنوب الفرنسي (ميدي)، الذين أفقرتهم آفة الكروم، وبعد ذلك توافد على الجزائر سكان حوض البحر الأبيض المتوسط، إذ أنهم يجدون هناك كل القوانين التي تسهل إقامتهم وتمركزهم. ولما طُرد الفلاحون من أراضيهم ولم يجدوا عنها بديلا في الصناعات آنذاك وبقوا بدون عمل، كانوا الجزء الأكبر من المهاجرين نحو فرنسا، حيث بلغ العدد أكثر من 000 120 شخص أثناء فترة الحرب 1914 - 1918، ولم يفتأ هذا العدد في التزايد بعد ذلك، لسد حاجيات إعادة البناء إثر الحرب. وابتداء من 1936 صار عامل الإحصاء البشري هو الحاسم في تفسير تيار الهجرة، ذلك لأن الأهالي الجزائريين يتزايدون بسرعة مثل سكان بلدان العالم الثالث، كما أن تحول الاقتصاد الزراعي إلى اقتصاد صناعي، جعل من فرنسا ومن باقي دول أوروبا بلد هجرة، وهكذا ففي سنة 1945 بلغ عدد المهاجرين إليها 000 38، وكان أرباب السلطة آنذاك يفكرون في استعمال اليد العاملة الجزائرية لإعادة بناء فرنسا. في سنة 1947 ارتفع هذا العدد إلى 000 65 وبلغ 000 80 سنة 1948، وفي هذا التاريخ وبغض النظر عن الهجرة كان عدد الجزائريين أكثر من مليون في البوادي، و000 500 في المدن بدون عمل.

وتزايد بعد ذلك عدد المهاجرين إلى أوروبا حتى بلغ إبان الاستقلال نصف مليون، ولم تتأخر الحكومة الجزائرية في الاهتمام بذلك، وبدأت تبحث عن الوسائل التي قد تحل هذا الموضوع الذي أصبح مشكلا وطنيا، إذ ينبغي إيجاد ظروف العمل في الجزائر بصفة تسمح للمهاجرين بالعودة إلى وطنهم، وتحسين عوامل البقاء وتسهيل تعليمهم وتكوينهم المهني. وبالفعل، فإنه بتعلمهم الحرف الصناعية في البلدان التي كانوا بها، وبالخبرة التي حصلوا عليها، يمكن أن يكونوا عامل دفع ومحرك للنشاط عندما يعودون إلى وطنهم، فعاجلا أو آجلا يعود المهاجرون إلى الجزائر وسيشاركون بنشاط في الكفاح الصناعي، كما شاركوا من قبل أينما كانوا في تحرير بلدهم. إن المهمة بدون شك ضخمة والأهداف كبيرة وهامة، وعليه فإن المهاجرين إلى فرنسا أسسوا ودادية كي يلعبوا الدور الذي يقع على عاتقهم. وبمساعدة الحكومة وسلطة القنصليات، فإن هذه الودادية علاوة على أنها ترمي إلى تقديم المساعدة لأعضائها وإلى رفع مستوى معيشتهم المادية والفكرية، فهي وقبل كل شيء تريد أن تفتح لهم أبواب المستقبل.